كم من كلمات سمعتها عن الحب و التسامح, كلام كبير يغوص فيه كثير من الناس في تعبيرات مدهشة و مواصفات مذهلة و تشبيهات سارية في عالم الخيال, تجعل القارئ يتذكر كل ما مر عليه, من مواقف وتجارب عاطفية, المفرحة منها و الحزينة... وحينما كنت أتناقش أنا وأصدقائي حول هذا الموضوع فلأغلبية الساحقة كانوا متيقنين كل اليقين أن الحب كلام كاذب و التسامح سلام زائف و ينعتون الإنسان المحب و المتسامح دائما بالشخص الضعيف و الفاشل. لكني لم أؤمن بوجهات النظر هذه, فكيف للإقتداء بأفعال سيد الخلق محمد صلى الله عليه و سلم أمر يجعلك ضعيفا, و هو الذي سامح قريش لما ضربوه و أهانوه و أبعدوه عن بلده, أو تكون ضعيفا إذا اقتديت بمواصفات سيد الخلق؟ أو تكون كاذبا إذا أحببت بصدق جميل في مرضاة الله؟ من قال عن الحب حرام, من قال أن التسامح ضعف, و من قال أن العطاء رياء...
فلكي نصل لمرحلة الحب المتكامل يجب أولا أن نصل إلى مرحلة التسامح المتكامل و بعد ذلك نصل إلى مرحلة العطاء, لأنك لا تستطيع أن تحب دون تسامح, و أن تعطي دون حب فهذه الأمور الثلاثة مرتبطة يبعضها البعض ولا يمكن أن تصل لواحدة منها دون الأخريين. وقد اكتشفت أسرارا عظيمة في هذا الكتاب فلمواقف التي تحدث عنها د/إبراهيم الفقي جعلتني أؤمن بمدى قيمة حبنا وتسامحنا وعطائنا اتجاه الغير وهذا تلخيص عام للكتاب الذي قرأته:
1/التسامح:
لماذا يكون الناس في رمضان أكثر تسامحا وأكثر طيبة؟ ولماذا يتحول الشخص المريض أو علم أنه سيموت قريبا إلى شخص روحاني؟ من الخطأ أن يأخذ الإنسان تجربة من الماضي بنفس شعورها للمستقبل, فعليك أن لا تهدر طاقتك في الندم على ما فاتك... بل وجه تلك الطاقة إلى أمر يفيدك في حاضرك و مستقبلك.
و في هذه الطريق يجب على الإنسان أن يمر بمرحلة التسامح التي تشمل التسامح المنطقي و العاطفي, بمعنى, إذا فكر الإنسان في شخص كان قد غضب منه , يتمنى له الخير و سيعطيه الله تعالى الثواب؛ و هناك نوعان من الذات:
ذات مزيفة: التي تحوي الخوف والحقد و الغيرة... التي توصل صاحبها إلى التعاسة ومنه إلى الشر الداخلي و هي البعد عن الله تعالى.
ذات حقيقية: و هي الذات العليا التي تحوي التسامح الذي سينتج عنه الحب و الذي سيتبعه الحنان ثم العطاء حتى تصل للتواضع و التعلم والصبر و الصدق...و كل هذه الأمور الإيجابية تجعل صاحبها يشعر براحة البال و الخير التي يتقرب فيها من الله تعالى.
و من بين المفاهيم الخاطئة عن التسامح: كمن يقول أنه ضعف وتحكم وتقبل الإهانة؛ لكني أقول لك أن عدم التسامح سيسبب أمرين: أولا: زيادة الشعور الأحاسيس السلبية التي تقود هذه الأخيرة إلى القيام بأفعال تهدر طاقة سلبية؛ ثانيا: زيادة حدة التجربة.
و من فوائد التسامح أن تفكيرك يكون بشكل صحيح, و اتزان في القوة الروحانية ومنه يحدث اتزان جسماني؛ أما إذا كان الإنسان لا يتمتع باتزان روحاني فإنه يفكر بالذات المزيفة ويبني تفكيره من خلالها.
تشمل خطوات التسامح: الإدراك أولا ثم الاستفادة من التجربة ثم الاحتفاظ بالمهارات؛ فتتخلص من الأحاسيس السلبية وأخيرا مرحلة الفعل و هو القرار بالتغيير و التصرف بطريقة صحيحة؛ و بدلا من الاستمرار في الندم والحسرة على أمر فعلته فسامح نفسك أولا ليسامحك الله, فإذا سامحت الناس, تكون باتزان محكم لقواك الروحانية و الجسمانية.
و تشمل إستراتيجية التسامح: 1/ التفكير في الشخص و التجربة. 2/الاسترخاء التام. 3/التخيل. 4/الاستعداد و التسامح المتكامل؛ و خلاصة القول في التسامح, قوله تعالى: {إن الله يغفر الذنوب جميعا إنه هو الغفور الرحيم} الزمر(53).
و تذكر دائما أن أكثر من 90% من الأغنياء هم مرضى نفسانيون لأنهم لا يتعاملون إلا بالطاقة الأرضية فقط و نسوا الطاقة الروحانية؛ و نسوا التسامح.
2/الحب: إن الحب يصنع المعجزات, فمثلا ترى الكلب يحمي القط و يخاف القط على الكلب بكل صدق.
وللحب دوائر, أولها حب الله سبحانه و تعالى: فرضا الله يجب أن يكون الشغل الشاغل لكل إنسان في هذه الحياة, حتى أن البعض يقولون أن معرفة الله تبارك و تعالى هي المهم و بقية الأمور كلها تفاصيل. ثانيا حب المخلوقات: فحب الله تعالى ينبع منه حب جميع مخلوقاته سواء من بني ادم أو من المخلوقات الأخرى, و يحكي الكاتب: كنت مع مجموعة من اليابانيين إذ بعنكبوت أمامي فأسرعت كي أطأها بقدمي فإذا بأحد هؤلاء اليابانيون يقول لي: ماذا تفعل أليس بروح مثلك؟ إذا كنت أنت مكانه هل كنت تحب أن يدهسك احد؟؛ وقد تعلمت من هذا الشخص أن أحافظ على مخلوقات الله تعالى... ولا تنسوا أن التأمل في خلق الله عبادة. ثالثا حب النفس: عليك أن تحب نفسك و تقدرها, فهي هدية وهبك لله إياها. رابعا حب الوالدين: عليك أن تحب والديك مهما فعلا لأن جميلهما عظيم جدا. خامسا حب أفراد العائلة:فلا بد لنا أن نصل إلى مرحلة ندرك فيها كيف نحب وكيف نجهر و نعلن عن هذا الحب. سادسا حب العمل: تعلم كيف تكون لينا مع العقبات التي تواجهك, وإياك أن تترك أي وظيفة, بناءا على شعور وأحاسيس سلبية. سابعا: حب الناس: فإن كان الإنسان محبا للآخرين من داخله, ساعيا إلى مد جسور التواصل بينه و بين غيره فإنه سيحب الآخرين و سيسعد بهم و سيبادلونه نفس الشعور.
3/ العطاء: على قدر عطاءك لغيرك سيكون كرم الله تعالى عليك؛ واعلم أن الحب هو أساس الحياة و نعمة عظيمة منه سبحانه و تعالى فلا تحرم نفسك أن تعيش في ظل تلك النعمة العظيمة. |